فصل: السنة التاسعة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة التاسعة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر

وهي سنة خمس وسبعين وخمسمائة‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد بن المقتفي محمد العباسي الهاشمي البغدادي‏.‏

كان أحسن الخلفاء سيرة كان إمامًا عادلًا شريف النفس حسن السيرة ليس للمال عنده قدر حليمًا شفيقًا على الرعية أسقط المكوس والضرائب في أيام خلافته وكانت وفاته ببغداد في ثاني ذي القعدة عن ست وثلاثين سنة وكانت خلافته تسع سنين‏.‏

وهو الذي عادت الخطبة باسمه في الديار المصرية والبلاد الشامية والثغور واجتمعت الأمة على خليفة واحد وانقطعت في أيامه دولة بني عبيد الفاطميين الرافضة من مصر وأعمالها‏.‏

ولله الحمد‏.‏

وأمه أم ولد مولدة‏.‏

وفيها توفيت الزاهدة العابدة علم بنت عبد الله بن المبارك‏.‏

كانت تضاهي رابعة العدوية في زمانها مرض ولدها أحمد بن الزبيدي فاحتضر وجاء وقت الصلاة فقالت‏:‏ يا بني ادخل في الصلاة فدخل وكبر ومات فخرجت إلى النساء وقالت‏:‏ هنينني‏!‏ قلن ماذا قالت‏:‏ ولدي مات في الصلاة‏.‏

فتعجب الناس من ذلك‏.‏

وكانت وفاتها ببغداد وعمرها مائة سنة وست سنين ولم يتغير لها شيء من حواسها‏.‏

وفيها توفي منصور بن نصر بن الحسين الرئيس ظهير الدين صاحب المخزن للخلفاء ونائب الوزارة‏.‏

نال من الوجاهة والرياسة ما لم ينله غيره من أطباقه إلى أن قبض عليه الخليفة الناصر الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء الحنبلي بحران‏.‏

والمستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي في شوال‏.‏

وأبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق اليوسفي في جمادى الأولى‏.‏

وأبو الفضل عبد المحسن بن تريك الأزجي‏.‏

وأبو الحسن علي بن أحمد الزيدي المحدث الزاهد‏.‏

وأبو المعالي علي بن هبة الله بن خلدون‏.‏

والقاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي عم كريمة‏.‏

وأبو هاشم عيسى بن أحمد الهاشمي الدوشابي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

السنة العاشرة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر وهي سنة ست وسبعين وخمسمائة‏.‏

فيها قدمت امرأة إلى القاهرة عديمة اليدين وكانت تكتب برجليها كتابة حسنة فحصل لها القبول التام ونالها مال جزيل‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ أبو طاهر السلفي الأصبهاني ولد سنة سبعين وأربعمائة وكان طاف الدنيا ولقي المشايخ وكان يمشي حافيًا لطلب العلم والحديث وقدم دمشق وغيرها وسمع بعدة بلاد ثم دخل مصر وسمع بها واستوطن الإسكندرية حتى مات بها في يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر ودفن داخل الإسكندرية وقد جاوز المائة بخمس سنين‏.‏

ومن شعره في معنى كبر سنه‏:‏ أنا إن بان شبابي ومضى فلربي الحمد ذهني حاضر ولئن خفت وجفت أعظمي كبرًا غصن علومي ناضر وفيها توفي الملك المعظم فخر الدين شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين صاحب الترجمة لأبيه‏.‏

كان أكبر من صلاح الدين في السن وكان يرى في نفسه أنه أحق بالملك من صلاح الدين يوسف المذكور وكان تبدو منه كلمات في سكره في حق صلاح الدين ويبلغ صلاح الدين فأبعده وبعثه إلى اليمن فسفك الدماء وقتل الأماثل وأخذ الأموال‏.‏

ولم يطب له اليمن فعاد إلى الشام على مضض من صلاح الدين فأعطاه بعلبك فبلغه عنه أشياء فأبعده إلى الإسكندرية فتوجه إليها وأقام بها معتكفًا على اللهو ولم يحضر حروب أخيه صلاح الدين ولا غزواته ومات بالإسكندرية فأرسلت أخته شقيقته ست الشام فحملته في تابوت إلى دمشق فدفنته في تربتها التي أنشأتها بدمشق‏.‏

وكان توران شاه المذكور جوادًا ممدحًا حسن الأخلاق إلا أنه كان أسوأ بني أيوب سيرة وأقبحهم طريقة‏.‏

وفيها توفي الملك غازي بن مودود بن زنكي بن آق سنقر التركي سيف الدين صاحب الموصل وابن أخي السلطان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد‏.‏

كان غازي من أحسن الناس صورة وكان وقورًا عاقلًا غيورًا ما يدع خادمًا بالغًا يدخل داره على حرمه وكان طاهر اللسان عفيفًا عن أموال الناس قليل السفك للدماء مع شح كان فيه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلقي في شهر ربيع الآخر وقد جاوز المائة بيقين‏.‏

وشمس الدولة توران شاه بن أيوب بن شادي صاحب اليمن بالإسكندرية في صفر‏.‏

وأبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي في رجب‏.‏

وأبو المفاخر سعيد بن الحسين المأموني‏.‏

وأبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد الأزدي ابن أبي العجائز في جمادى الآخرة‏.‏

وأبو الحسين علي بن عبد الرحيم بن العصار السلمي البغدادي اللغوي في المحرم‏.‏

وصاحب الموصل سيف الدين غازي بن مودود بن أتابك في صفر وله ثلاثون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الحادية عشرة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر وهي سنة سبع وسبعين وخمسمائة‏.‏

فيها عاد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الترجمة من دمشق إلى القاهرة واستناب على الشام ابن أخيه عز الدين فرخشاه‏.‏

وفيها أمر السلطان صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغتكين بالمسير إلى اليمن فأخذ يتجهز للمسير‏.‏

وفيها بعث السلطان صلاح الدين الخادم بهاء الدين قراقوش إلى اليمن فتوجه وقبض على سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ وطلب منه المال وكان نائب أخيه توران شاه‏.‏

وفيها بنيت قلعة الجبل بالقاهرة‏.‏

وفيها توفي الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن آق سنقر صاحب حلب بمرض القولنج وكان لما اشتد به مرض القولنج وصف له الحكماء قليل خمر فقال‏:‏ لا أفعل حتى أسأل الفقهاء‏.‏

فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز فلم يقبل وقال‏:‏ إن الله تعالى قرب أجلي أيؤخره شرب الخمر‏!‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فوالله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرم علي فمات ولم يشربه‏.‏

ولما أشرف على الموت أحضر الأمراء واستحلفهم لابن عمه عز الدين مسعود بن مردود صاحب الموصل فقيل له‏:‏ لو أوصيت لابن عمك عماد الدين صاحب سنجار‏!‏ فإنه صعلوك ليس له غير سنجار وهو تربية أبيك وزوج أختك وشجاع كريم وعز الدين له من الفرات إلى همذان فقال‏:‏ هذا لم يخف عني ولكن قد علمتم استيلاء صلاح الدين على الشام سوى ما بيدي ومصر واليمن وعماد الدين لا يثبت له إذا أراد أخذ البلاد وعز الدين له العساكر والأموال فهو أقدر على حفظ حلب وأثبت من عماد الدين ومتى ذهبت حلب ذهب الجميع فاستحسنوا قوله‏.‏

قلت‏:‏ ولم يخطر ببال أحد أخذ صلاح الدين بن أيوب الشام من الملك الصالح هذا قبل تاريخه فإنه كان غرس نعمة أبيه الملك العادل فلم يلتفت صلاح الدين للأيادي السالفة وانتهز الفرصة حيث أمكنته وقاتل الملك الصالح هذا حتى أخذ منه دمشق فلهذا صار عند الصالح كمين من صلاح الدين‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد أبو البركات الأنباري النحوي مصنف كتاب ‏"‏ الأسرار في علم العربية ‏"‏ وكتاب ‏"‏ هداية الذاهب في معرفة المذاهب ‏"‏‏.‏

كان إمامًا في فنون كثيرة مع الزهد والورع والعبادة وكانت وفاته في شعبان‏.‏

وفيها توفي عمر بن حمويه عماد الدين والد شيخ الشيوخ صدر الدين وتاج الدين وهو من ولد حمويه بن علي الحاكم على خراسان إمام السامانية‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة في كتاب الإشارة قال‏:‏ وفيها توفي الملك الصالح إسماعيل ابن السلطان نور الدين بحلب في رجب وله ثماني عشرة سنة‏.‏

والكمال أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري النحوي العبد الصالح‏.‏

وشيخ الشيوخ أبو الفتوح عمر بن علي الجويني‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وخمس أصابع‏.‏

السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر فيها سار سيف الإسلام طغتكين أخو صلاح الدين من مصر إلى اليمن إلى أن نزل زبيد وبها حطان فأمره أن يسير إلى الشام فجمع أمواله وذخائره ونزل بظاهر زبيد فقبض عليه سيف الإسلام وأخذ جميع ما كان معه وقيمته ألف ألف دينار ثم قتله بعد ذلك‏.‏

وكان عثمان الزنجبيلي بعدن فلما بلغه ذلك سافر إلى الشام بعد أن أثر باليمن آثارًا كبيرة ووقف الأوقاف وله مدرسة أيضًا بمكة ورباط بالمدينة وغيرها‏.‏

وفيها في خامس المحرم خرج صلاح الدين من مصر فنزل البركة قاصدًا الشام وخرج أعيان الدولة لوداعه وأنشده الشعراء أبياتًا في الوداع فسمع قائلًا يقول في ظاهر المخيم‏:‏ تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار فطلب القائل فلم يجده‏.‏

فوجم الناس وتطير الحاضرون فكان كما قال‏.‏

قلت‏:‏ وقول من قال ‏"‏ فكان كما قال ‏"‏ ليس بشيء فإن صلاح الدين عاش بعد ذلك نحو العشر سنين غير أنه ما دخل مصر بعدها فيما أظن فإنه اشتغل بفتح الساحل وقتال الفرنج كما تقدم ذكره في ترجمته‏.‏

وفيها توفي أحمد بن علي بن أحمد الشيخ أبو العباس المعروف بابن الرفاعي إمام وقته في الزهد والصلاح والعلم والعبادة‏.‏

كان من الأفراد الذين أجمع الناس على علمه وفضله وصلاحه‏.‏

كان يسكن أم عبيدة بالعراق وكان شيخ البطائحية وكان له كرامات ومقامات وأصحابه يركبون السباع ويلعبون بالحيات ويتعلق أحدهم في أطول النخل ثم يلقي نفسه إلى الأرض ولا يتألم وكان يجتمع عنده كل سنة في المواسم خلق عظيم‏.‏

قال الشيخ شمس الدين يوسف في تاريخه مرآة الزمان‏:‏ ‏"‏ حكى لي بعض أشياخنا قال‏:‏ حضرت عنده ليلة نصف شعبان وعنده نحو من مائة ألف إنسان قال‏:‏ فقلت له‏:‏ هذا جمع عظيم فقال لي‏:‏ حشرت محشر هامان إن خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع‏.‏

قال‏:‏ وكان متواضعًا سليم الصدر مجردًا من الدنيا ما ادخر شيئا قط‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وعلم الشيخ أحمد بن الرفاعي وفضله وصرعه أشهر من أن يذكر وهو أكثر الفقراء أتباعا شرقًا وغربًا والأعاجم يسمونه‏:‏ سيدي أحمد الكبير وقيل‏:‏ إن سبب مرضه الذي مات منه أن عبد الغني بن محمد بن نقطة الزاهد مضى إلى زيارته فأنشد أبياتًا منها‏:‏ إذا جن ليلي هام قلبي بذكركم أنوح كما ناح الحمام المطوق وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى وتحتي بحار بالأسى تتدفق سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها تفك الأسارى دونه وهو موثق فلا هو مقتول ففي القتل راحة ولا هو ممنون عليه فيعتق وفيها توفي الأمير فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب أبو سعد عز الدين‏.‏

كان من الأماثل الأفاضل كان متواضعًا سخيًا جوادًا شجاعًا مقدامًا وكان عمه صلاح الدين قد استنابه بالشام وكان فصيحًا شاعرًا‏.‏

مات بدمشق في جمادى الأولى‏.‏

ومن شعره - رحمه الله تعالى -‏:‏ أقرضوني زمنًا قربهم واستعادوا بالنوى ما أقرضوا أنا راضٍ بالذي يرضيهم ليت شعري بالتلاقي هل رضوا وفيها توفي الأمير يوسف بن عبد المؤمن بن علي أبو يعقوب صاحب المغرب أمير الموحدين‏.‏

كان حسن السيرة عادلًا دينًا ملازمًا للصلوات الخمس لابسًا للصوف مجاهدًا في سبيل الله تعالى‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الشيخ الكبير أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الرفاعي بالبطائح‏.‏

وأبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس في شوال‏.‏

والحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال الأنصاري القرطبي في شهر رمضان وله أربع وثمانون سنة‏.‏

وأبو طالب أحمد بن المسلم بن رجاء اللخمي التنوخي في شهر رمضان بالإسكندرية‏.‏

وخطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي في شهر رمضان عن اثنتين وتسعين سنة‏.‏

وعز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب نائب دمشق في جمادى الأولى‏.‏

والقطب النيسابوري أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود شيخ الشافعية في آخر شهر رمضان‏.‏

وأبو محمد هبة الله بن محمد بن هبة الله الشيرازي بدمشق في شهر ربيع الأول‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبعًا‏.‏

السنة الثالثة عشرة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر وهي سنة تسع وسبعين وخمسمائة‏.‏

فيها في يوم الأحد عاشر المحرم تسلم السلطان صلاح الدين آمد من ديار بكر ودخل إليها وجلس في دار الإمارة ثم سلمها وأعمالها إلى نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا وكان قد وعده بها لما جاء إلى خدمته‏.‏

ثم عاد إلى حلب وحاصرها حتى أخذها من عماد الدين زنكي ابن أخي نور الدين الشهيد وبذل له عوضها سنجار وعمل الناس في ذلك أشعارًا كثيرة منها‏:‏ وبعت بسنجار خير القلاع ثكلتك من بائعٍ مشتري وكان في أيام حصار حلب أصاب تاج الملوك بوري بن أيوب سهم في عينه فمات بعد أيام فحزن أخوه السلطان صلاح الدين عليه حزنًا شديدًا وكان يبكي ويقول‏:‏ ‏"‏ ما وفت حلب بشعرة من أخي تاج الملوك بوري ‏"‏‏.‏

وخرج عماد الدين من حلب وسار إلى سنجار‏.‏

ولما طلع صلاح الدين إلى قلعة حلب في سلخ صفر أنشد القاضي محيي الدين بن زكي الدين محمد بن علي القرشي قاضي دمشق أبياتًا منها‏:‏ وفتحه حلبًا بالسيف في صفرٍ مبشر بفتوح القدس في رجب فكان كما قال لكن بعد سنين وهو الذي خطب بالقدس لما فتحه صلاح الدين في رجب‏.‏

وفيها توفي محمد بن بختيار الأديب أبو عبد الله المولد المعروف بالأبله البغدادي الشاعر المشهور كان شاعرًا ماهرًا جمع في شعره بين الصناعة والرقة‏.‏

ومن شعره‏:‏ زار من أحيا بزورته والدجى في لون طرته قمر يثني معاطفه بانة في ثني بردته بت أستجلي المدام على غرة الواشي وغرته يا لها من زورة قصرت فأماتت طول جفوته يا له في الحسن من صنم كلنا في جاهليته دعني أكابد لوعتي وأعاني أين الطليق من الأسير العاني وفيها توفي الملك تاج الملوك بوري بن أيوب بن شادي أبو سعيد أخو السلطان صلاح الدين من سهم أصابه في حصار حلب كما تقدم ذكره‏.‏

كان مولد تاج الملوك في ذي الحجة سنة ست وخمسين وخمسمائة وكان قد جمع فيه محاسن الأخلاق‏:‏ من مكارم وشيمٍ ولطف طباع مع شجاعة وفضل وفصاحة وكان شاعرًا بليغًا‏.‏

ومن شعره‏:‏ رمضان بل مرضان إلا أنهم غلطوا إذًا في قولهم وأساؤوا مرضان فيه تحالفا فنهاره سل وأما ليله استسقاء الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسماعيل بن قاسم الزيات بمصر‏.‏

وتقية بنت أغيث بن علي الأرمنازية الشاعرة‏.‏

وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الأصبهاني الخرقي في رجب وله تسع وثمانون سنة‏.‏

ومحمد بن بختيار البغدادي الشاعر المعروف بالأبله‏.‏

وأبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل وله ثلاث وتسعون سنة‏.‏

وأبو طالب محمد بن علي الكتاني المحتسب‏.‏

والعلامة رضي الدين يونس بن محمد بن منعة فقيه الموصل‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة السنة الرابعة عشرة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر وهي سنة ثمانين وخمسمائة‏:‏ فيها حج بالناس من العراق طاشتكين‏.‏

وفيها توفي إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق قطب الدين صاحب ماردين كانت وفاته في جمادى الآخرة‏.‏

وخلف ولدين صغيرين‏.‏

وكان ملكًا شجاعًا عادلًا منصفًا عاقلًا‏.‏

وفيها توفي عبد الرحيم بن إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ صدر الدين وابن شيخ الشيوخ النيسابوري‏.‏

ولد سنة ثمان وخمسمائة وكان فاضلًا رسولًا بين الخليفة وصلاح الدين وكان يلبس الثياب الفاخرة ويتخصص بالأطعمة الطيبة فكان أهل بغداد يعيبون عليه حيث لم يسلك طريق المشايخ في التعفف عن الدنيا ولما مات رثاه ابن المنجم المصري‏:‏ يا أخلائي وحقكم ما بقي من بعدكم فرح أفي صدر في الزمان لنا بعد صدر الدين ينشرح وتولى مشيخة الرباط بعده الشيخ صفي الدين إسماعيل‏.‏

وفيها توفي محمد بن قرا أرسلان نور الدين صاحب حصن كيفا الذي كان أعطاه السلطان صلاح الدين آمد‏.‏

وترك ابنه ظهير الدين سكمان صغيرًا عمره عشر سنين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي صدر الدين عبد الرحيم بن إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ في رجب بالرحبة راجعًا في الرسلية‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي‏.‏

وأبو الوفا محمود بن أبي القاسم محمد الأصبهاني في شهر ربيع الآخر وله إحدى وسبعون سنة‏.‏

أجاز له طراد ‏"‏ الزينبي النقيب ‏"‏ وسمع من أبي الفتح ‏"‏ أحمد بن محمد ‏"‏ البيودرحاني‏.‏

وصاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن شهيدًا على حصار شنترين بالأندلس في رجب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة عشرة من سلطنة صلاح الدين يوسف بن أيوب على مصر فيها قطع السلطان صلاح الدين الفرات ونزل على الموصل وافتتح عدة بلاد‏.‏

وفيها توفي عبد السلام بن يوسف بن محمد الأديب أبو الفتوح الجماهري‏.‏

كان فاضلًا شاعرًا‏.‏

ومن شعره من قصيدة‏:‏ على ساكني بطن العقيق سلام وإن أسهروني بالفراق وناموا حرمتم علي النوم وهو محلل وحللتم التعذيب وهو حرام إلا يا حمامات الأراك إليكم فما لي في تغريدكن مرام فوجدي وشوقي مسعد ومؤانس ونوحي ودمعي مطرب ومدام وفيها توفيت عصمة الدين خاتون بنت معين الدين أنر زوجة السلطان صلاح الدين صاحب الترجمة تزوجها بعد زوجها الملك العادل نور الدين الشهيد‏.‏

كانت من أعف الناس وأكرمهن كان لها صدقات كثيرة وبر عظيم بنت بدمشق مدرسة للحنفية في حجر الذهب ورباطًا للصوفية وبنت تربة بقاسيون على نهر بردى وبها دفنت وأوقفت على هذه الأماكن أوقافًا كثيرة‏.‏

وماتت في رجب فبلغ صلاح الدين موتها وهو مريض بحران فتزايد مرضه لموتها ولحزنه عليها‏.‏

ثم مات بعدها أخوها سعد الدين مسعود بن أنر في هذه السنة وكان من أكابر الأمراء زوجه صلاح الدين أخته ربيعة خاتون‏.‏

فلما توفي تزوجها وفيها توفي محمد ابن الملك المنصور أسد الدين شيركوه بن شادي الأمير ناصر الدين ابن عم السلطان صلاح الدين‏.‏

كان السلطان صلاح الدين يخافه لأنه كان يدعي أنه أحق بالملك منه‏.‏

وكان السلطان صلاح الدين يبلغه عنه هذا وكان زوج أخت السلطان صلاح الدين ست الشام بنت أيوب‏.‏

ومات بحمص في يوم عرفة وتناثر لحمه حتى قيل إنه سم وقيل‏:‏ مات فجأة فنقلته زوجته ست الشام إلى تربتها ودفنته عند أخيها الملك المعظم توران شاه بن أيوب المقدم ذكره‏.‏

ولما بلغ صلاح الدين موته أبقى على ولده أسد الدين شيركوه بن محمد المذكور ما كان بيد والده‏:‏ حمص وتدمر والرحبة وسلمية وخلع عليه وكتب منشورًا بذلك‏.‏

وفيها توفي محمد بن أحمد بن فتح الدين البغدادي الحنفي كان فقيهًا شاعرًا أديبًا‏.‏

ومن شعره في مليح عليه قباء كمه مطرز‏:‏ ضممت معذبي لما أتاني ورقم طرازه قد راق عيني فيا طرزيه هل يدني زماني ليالي وصلنا بالرقمتين الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الطاهر إسماعيل بن مكي ابن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزهري شيخ المالكية بالثغر في شعبان‏.‏

وصاحب أذربيجان البهلوان محمد بن إيلدكز‏.‏

والشيخ حياة بن قيس الحراني العابد في جمادى الأولى‏.‏

وأبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي كاتب نور الدين‏.‏

والمهذب عبد الله بن أسعد بن علي بن الدهان الموصلي الشافعي النحوي الشاعر في شعبان بحمص‏.‏

والحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الإشبيلي في شهر ربيع الآخر ببجاية وله سبعون سنة‏.‏

والحافظ أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المالقي الأديب في شعبان‏.‏

وعبد الرزاق بن نصر بن المسلم النخار الدمشقي‏.‏

وأبو الفتح ‏"‏ عبيد الله ابن ‏"‏ عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل الدباس في رجب وله تسعون سنة‏.‏

وأبو الجيوش عساكر بن علي المقرىء بمصر‏.‏

وأبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي بمكة‏.‏

وأبو المجد الفضل بن الحسين البانياسي في شوال‏.‏

وصاحب حمص ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه‏.‏

والحافظ أبو سعد محمد بن عبد الواحد الصائغ بأصبهان في ذي القعدة‏.‏

والحافظ العلامة أبو موسى محمد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى المدني في جمادى الأولى وله ثمانون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وتسع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏

السنة السادسة عشرة من سلطنة صلاح الدين فيها حكم المنجمون في الآفاق بخراب العالم في جمادى الآخرة وقالوا‏:‏ تقترن الكواكب السيارة‏:‏ الشمس والقمر وزحل والمريخ والزهرة وعطارد والمشتري في برج الميزان أو السرطان فتؤثر تأثيرًا يضمحل به العالم وتهب سموم محرقة تحمل رملًا أحمر فاستعد الناس وحفروا السراديب وجمعوا فيها الزاد‏.‏

وانقضت المدة المعينة وظهر كذب المنجمين‏.‏

فقال أبو الغنائم محمد بن المعلم في أبي الفضل المنجم قصيدة طنانة‏:‏ قل لأبي الفضل قول معترفٍ مضى جمادى وجاءنا رجب وما جرت زعزغ كما حكموا ولا بدا كوكب له ذنب ومنها‏:‏ مدبر الأمر واحد ليس للسب - - عة في كل حادثٍ سبب لا المشتري سالم ولا زحل باقٍ ولا زهرة ولا قطب ومنها‏:‏ فليبطل المدعون ما وضعوا في كتبهم ولتحرق الكتب قلت‏:‏ وهذا الكذب متداول بين القوم إلى زماننا هذا حتى إنه لا يمضي شهر إلا وقد أوعدوا الناس بشيء لا حقيقة له‏.‏

والعجب أن الشخص من العامة إذا كذب مرة على رجل يستحي دع النجوم لصوفي يعيش بها وبالعزائم فانهض أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا وفيها عاد السلطان صلاح الدين إلى الشام وتلقاه شيركوه بن محمد بن شيركوه وأخته سفري خاتون أولاد ابن عمه محمد بن أسد الدين شيركوه وزوجته ست الشام وهي أخت السلطان صلاح الدين فقال السلطان لأخيه العادل أبي بكر بن أيوب‏:‏ اقسم التركة بينهم على فرائض الله تعالى‏.‏

وكان محمد قد خلف أموالًا عظيمة فكان مبلغ التركة ألف ألف دينار‏.‏

وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكة ومنع من الأذان في الحرم ب ‏"‏ حيي على خير العمل ‏"‏‏.‏

وفيها قدم السلطان صلاح الدين يوسف البلاد بين أهله وولده برأي القاضي الفاضل فأعطى مصر لولده العزيز عثمان والشام لولده الأفضل وحلب لولده الظاهر وأعطى أخاه العادل أبا بكر إقطاعات كثيرة بمصر وجعله أتابك العزيز وأعطى لابن أخيه تقي الدين حماة والمعرة ومنبج وأضاف إليه ميافارقين‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي بن بركة أبو محمد المقرئ النحوي كان إمامًا فاضلًا انتفع بعلمه وما شنان الشيب من أجل لونه ولكنه حادٍ إلى الموت مسرع إذا ما بدت منه الطليعة آذنت بأن المنايا بعدها تتطلع وفيها توفي عبد الله ابن بري بن عبد الجبار المعروف بابن بري النحوي بمصر كان إمامًا أديبًا فاضلًا بارعًا في علم النحو والعربية وانتفع به خلق كثير ومات بمصر في شوال‏.‏

وكان حجة ثقة‏.‏

ومن شعره - رحمه الله -‏:‏ خد وثغر فجل رب بمبدع الحسن قد تفرد فذا عن الواقدي يروي وذاك يروي عن المبرد الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو محمد عبد الله ابن بري النحوي بمصر في شوال وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جرير القرشي الناسخ ببغداد‏.‏

وأبو محمد الحسن بن علي ابن بركة بن عبيدة الكوفي النحوي المقرئ في شوال‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏

السنة السابعة عشرة من سلطنة صلاح الدين وهي سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة‏.‏

فيها فتح السلطان صلاح الدين بيت المقدس وعكا وحصونًا كثيرة بالساحل بعد أمور وحروب ذكرناها في ترجمته‏.‏

وفيها توفي علي بن أحمد بن علي بن محمد قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني الحنفي قاضي قضاة بغداد‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ قاض ابن قاض ابن قاض ابن قاض ابن قاض ابن قاض‏.‏

ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وولاه الخليفة المقتفي القضاء بمدينة السلام وسائر البلاد مشرقًا ومغربًا وأقره المستنجد ثم عزله ثم أعاده المستضيء سنة سبعين وخمسمائة ثم أقره الناصر لدين الله تعالى إلى أن توفي ببغداد في ذي القعدة ودفن بالشونيزية عند جده لأمه أبي الفتح الشاوي‏.‏

وكان إمامًا فقيهًا عالمًا نزهًا عفيفًا معدودًا من كبار فقهاء الساعة الحنفية - رحمه الله تعالى -‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الله بن المقدم الأمير شمس الدين كان من أكابر أمراء الملك العادل نور الدين ثم صلاح الدين بن أيوب‏.‏

وله المواقف المشهودة وحضر جميع فتوحات السلطان صلاح الدين ثم إنه استأذن صلاح الدين في الحج فأذن له على كره من مفارقته فلما وصل إلى عرفات أراد أن يرفع علم صلاح الدين ويضرب الطبل فمنعه طاشتكين وقال‏:‏ لا يرفع هنا سوى علم الخليفة‏.‏

فقال ابن المقدم هذا‏:‏ والسلطان مملوك الخليفة‏.‏

فمنعه طاشتكين فأمر ابن المقدم غلمانه فرفع العلم فنكسوه فركب ابن المقدم ومن معه وركب طاشتكين له واقتتلوا فقتل من الفريقين ورمى مملوك طاشتكين ابن المقدم بسهم فوقع في عينه فخر صريعًا وجاء طاشتكين وحمله إلى خيمته فتوفي في يوم الخميس يوم النحر ودفن بالمعلى‏.‏

ثم أرسل الخليفة يعتذر لصلاح الدين أن ابن المقدم كان الباغي فلم يقبل صلاح الدين وقال‏:‏ أنا الجواب عن الكتاب‏.‏

ولولا اشتغاله بالجهاد لكان له وللخليفة شأن‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبيد الله الأديب أبو الفتح البغدادي المعروف بسبط ابن التعاويذي الشاعر المشهور‏.‏

وله ديوان شعر كبير الموجود غالبه في المديح‏.‏

ومن شعره - رحمه الله - في غير المديح في الزهد‏:‏ اجعل همومك واحدًا وتخل عن كل الهموم فعساك أن تحظى بما يغنيك عن كل الهموم وله‏:‏ فكم ليلةٍ قد بت أرشف ريقه وجرت على ذاك الشنيب المنضد وبات كما شاء الغرام معانقي وبت وإياه كحرف مشدد الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي شيخ الفتوى عبد الجبار بن يوسف ببغداد‏.‏

والمحدث أبو العز عبد المغيث بن زهير الحربي‏.‏

وقاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد ابن قاضي القضاة علي بن محمد بن الدامغاني الحنفي‏.‏

وأبو الفتح محمد بن يحيى بن محمد بن مواهب البرداني‏.‏

والأمير الكبير شمس الدين محمد بن عبد الملك بن المقدم النوري قتل بعرفات‏.‏

وأبو السعادات نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن زريق القزاز في شهر ربيع الآخر وله اثنتان وتسعون سنة‏.‏

وشيخ الحنابلة ناصح الدين أبو الفتح نصر بن فتيان ‏"‏ بن مطرف المعروف با ‏"‏ بن المني في رمضان عن إحدى وثمانين سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثماني أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏